كتب الشاعر والأديب محمد كابي قصيدة بعنوان الكأس السادس
1 – كأس اللــــــبن
تخرج من بحر لا تشرب ماءه
وعلى جيــد المــوج
سكيـن يقطع شـفاه الورد
ويسـنن أنياب الصيـام .
فرد أيها الزمن اللعين لساني
لأخط الهـوى بوجع الأرحام
فمن متعة الوصل تقذفك
يا ابن أمي في زمن التردي
فوهـة اللاجدوى
وتعطيك اسما ورقما
وجوازا لعبور النسيان .
الماء مـالح والصرخة الأولى
امتزاج الدم بالحروف ’
والأهازيج بعقم الدفوف .
وأنت في منفاك الجديد وليدا
لم تجد لبنا في ثدي الوطـن
فوشحوك بالحليب الجاف المستورد ،
حتى تفجر الكلمة الأولى
2 ـ كأس الـــشــأي
السابح أنت في دهشة التكوين
تفرد جناحيك كطير كسيح
على مائدة يتيمة وكأس للشاي المر .
تبوح لامرأة تمر أمام عينيك كالريح
فيخرب القهر المفاجئ
إمارة الدم والانتماء فيك
تتيه .. تتيه في بيداء السؤال عاريا
لا أنت قادر على أن تهاجم
مستنقع الضعف فيك
ولا أنت قادر أن تصيح
لتخرج من قيد القماط
أو تستريح .
فهل يخط من يتجرع الشاي
بالقمح الحافي غير قصائد
الأسـى والحرف الجريح .
3 ـ كـأس الــــبن
يطول انتظارك الأغبر
ويطول الصوم يا ابن أمي
وتقرأ في لوحك المقدس
" لاتجتمع أمتي على ضلالة "
تخرج من ثوبك النقي
صوتك المبحوح كالرمح وحده
وأصوات وراءك كالقدر المؤبلس
تهتف ضد الحلم والأمنيات
لمن باعوا الشمس للمدى الديموكراتي
… تعلن رفضك المكشوف
وترفع هامتك والأصابع
وفي محافل الشـرف كان الإبهام
الذي تستجير به أكتـع
في العقد الأول … الأمــــلس
صوت مرغمـا على سارق الورد
وفي العقد الثانــي
على الأربعين حراميا
وفي الثالث والرابع أضحت
القاعدة أن يفوز الخب والأخـرس
ولتجوز المعادلة وشحوك
ياابن أمي بسواد قهوتك المرة
وبحراسة الصندوق الزجاجي المدنـس .
4 - كأس الأورو كاكــــــــولا
من أين للحرباء بكل هذه الألوان
من أين للنــأي كل هذه الأشجان .
وأنت تجر خلفك أعواما من العويل
عقودا من المواويـــــل ،
ولاتدري أطيرك يغرد فرحا
أم يشدو بالجرح دمعا
لا تجفـفه المناديــل .
ووراءك رجال بلا وطـن
وبلا طعــام ،
قبلاتهم بطعم الملح والحنين ،
وكل شيء أمامك ملتحف بالخطيئة
وفي قماط الذين قضوا هو قلق السجان
أو نحيب السجين ، من دم وطنه
يشرب عصيرا بطعم الرمد المزمن
لإجهاض جينات الرفض لدى الشيخ والجنين .
5 ـ كأس النبـــــــــــيذ
على ألف رصيف تمشي يارفيقي
باحثـا تحت ركام السنين
عبر الحكايات والأغنيات ،
فلا تحس بغير الزمن الموبوء
بالحداد والنحيب والفجيعة .
فتشرب كأسك والكلمات
تصحو ويصحو المارد الساكن فيك
كشجر الذكريات
وتصعد ، تصعد في دهشة النبيذ
كالرمح ، من إيمانك الراسخ
توقف الرياح في راحتيك
تتذكر الطفل الذي كنته ،
وتقبل الشمس التي لا تطل إلا لمـاما
كتقبيلك للحلمات
فيستوطنك العشق لأمشاج الأبوة
وتتوج سيدة قلبك أميرة
على كل المنافي التي تحملها في دفاترك
وقنديلا ينير للفقراء كل الطرقات .
تغضب ، تضحك ،
تتألم ، تحـــلم ،
تثمل ، تعشق حد الغرق ،
ترى ما لا تراه العيون
ترى ليل الظلــم زائل
والبقــاء للعشق وحــده
حين تحررك سلافة الدالـية من
أسطرة الفكر وبلادة الخطابات .
6 ـ كأس الــــــــــردى
قيل لـي يا ابن الكرمة المقدسة :
لما شربت كأس الصحو هياما ؟
لما ترسم طفلا على بياض الورق ؟
قلت : ألا هل يستوي الجرح عند الأطفال
ألا هل يستوي الذين يعلمون
والذين يقيسون فورة الفكر
بمقاسات الخصر والحــزام
هم الأطفال من غرب الشرق
إلى حبال الشتق ، كالنوارس
شم في الصبر كالجبال
هم ما تبقى لنا عملة للعز
قالوا : أحوال أطفالنا لاتشبه الأحوال
عرضة للتشرد ، قوت لسمك البحر ،
ضحايا للإقصاء لوطء السعال
قلت : كلنا في القهر أطفال
لم ننعم يوما بدفء الشمس
ولم نتحرر من الخوف والعري
من الشنق والجوع والغبن والغرق .
ومن لم يذق كأس الردى يوما
ذاق في حيه كأس العلقم
موت هو الموت سكينه فينا سـكـن
ويحكم رفاقي هل تأمركت الأقلام
وهرولت بأمرها الأرحام
ويحكم هل صودرت حتى الأحلام
والعز في دهاليز المذلة قد ركن ؟
من آبارنا ورد العجم
وفوق مراثينا صور
لزعماء الغرب وإطارات للدفوف
ومن أحشائنا استأصلوا
صورة الله وصليل السيوف
آه يـا وطـن الخراب
ها أنت تفتح نافذتك على
صهيل جسدي ولا تكون
كما أرادوك أن تكون ،
ابن زياد أحرق السفن
حتى لا يصادر حلمه عسس أثينا
وروما ما أجابت عن سؤال الفجيعة .
وأنت هناك يا أناي حجــر
ينبث كالآه على عشب يتهشم
بين عبـاب البحر الذي
يعزف آخر مرثية للهاربين
وأنت هناك حجر ينطق بالنبوءة
لك تصلي العجائز صلاة الغائبيـن
لم نكن يا ابن أمي منذ البدء
إلا أمـة تفكر وترا في ظلهـا
بما تحت الصرة
أو تتنكـر شزرا لخـلها
كأس الهزائم بالعلقم واحد
مهـما تعددت مشاربـه
وضعف الهمـم منطلق القضية
وكل المتاح لنا في زمن الضياع
أن ننحني لكل الأطفال
في الأقطـار المفجوعـة
بأصدق الحـب والتحيــة .///
محمد كابي
تعليقات
إرسال تعليق